معنى كلمة أمغار و من هو ابو عبد الله امغار و كيف جاء استقراره بتيط ؟
معنى كلمة أمغار و من هو ابو عبد الله امغار و كيف جاء استقراره بتيط ؟
أنفاس بريس 24: محمد الصفى / عن مجلة دعوة الحق
هو أبو عبد الله محمد بن أبي جعفر إسحاق بن محمد وينتهي نسبه إلى عبد الله بن إدريس على ما حققه صاحب السلوة(1) وخالفه ابن عبد العظيم الزموري في بهجة الناظرين(2) فأثبت لنسبهم عمودا مخالفا لما حققه صاحب السلوة.
معنى كلمة أمغار، ومن هو أمغار؟
كلمة أمغار إذا أطلقت في اللهجة الشلحية يقصد بها كبير القرية أو القرى الذي يقوم بشؤونها وينظر في أمورها، ولكنها هنا تدل على معنى الأب الأكبر وهو الجد مع ما تلمح إليه الكلمة من معنى التفضيل المعنوي أيضا، كما هو الشأن في كلمة الشيخ في اللغة العربية سواء بسواء. ولم تتفق المصادر على الشخص الذي يحمل هذا اللقب أول الأمر من رجال هذه الأسرة، فصاحب التشوف(3) فهم من سياق كلامه أن المقصود بها هو إسماعيل جد أبي عبد الله، بينما يذهب صاحب بهجة الناظرين إلى أعلى من هؤلاء فيطلق هذا اللقب على أبي عثمان سعيد بن يحيى(4). وصاحب السلوة(5) يصرح أن المقصود بهذا اللقب هو عبد الله بن أبي جعفر إسحاق فيطلق عليه أمغار الكبير، وعلى حفيده أبي عبد الله شيخ الجزولي صاحب دلائل الخيرات، أمغار الصغير. والنظر يستصوب ما ذهب إليه صاحب التشوف.
لأن إسماعيل هو أول من دخل مع أخويه إلى المغرب من هذه الأسرة فهو عميدها الأحق-في نظرنا- بحمل هذا اللقب. وقد فشا هذا اللقب وذاع حتى صار علما يغطي جميع أفراد هذه الأسرة، فيقال في اللهجة المغربية: “أبت أمغار”، وينتسب إليهم الفرد أو الجماعة فيقال: الأمغاري، والأمغاريون.
أصل هذه الأسرة ومبدأ أمرها:
ذكر ابن عبد العظيم أن أصل هذه الأسرة من المدينة المنورة وأول من دخل المغرب منها هم: عميدها الأول إسماعيل أمغار جد الأمغاريين وأخواه أبو زكرياء يحي جد الزكراويين من اهل حاحة، وأبو يعقوب يوسف جد الشبوكبين وكان سبب انتقالهم إلى المغرب برتكز على رؤيا صالحة رآها الإخوة الثلاثة تستحثهم على الرحيل إلى المغرب فانتقلوا إلى جدة، ومنها قصدوا المغرب فدخلوا إليه عن طريق مصر، فالإسكندرية، فالقيروان، فتونس، فسبتة، فدكالة من بلاد صنهاجة حيث مشاهدهم إلى الآن(6).
وبعد نزولهم من بلاد تيط انتقل أبو زكرياء إلى حاحة وأبو يعقوب إلى شتوكة، ولكل واحد منهما ذرية بالموضع الذي نزل به. واستقر إسماعيل بقرية تيط(7).
عين فطر وتسمى مدينة فطر.
قال أبو القاسم الزياني: أن أمراء صنهاجة هم الذين أسسوا هذه المدينة لما استقر البربر بالمغرب(8) ونقل الكانوني عن الحسن بن الوزان أن هذه المدينة بناها الأفارقة الأقدمون(9). وذكر ابن قنفد، أن معنى هذا الاسم “تيط ن فطر” عين باردة(10) وذكر ابن عبد العظيم أن سبب تسميتها بعين فطر أن إسماعيل وأخواته كانوا يفطرون عندها من طعام الكون، ويشربون من مائها في وسط البحر(11)ولكلام ابن قنفد وجه في اللهجة الشلحية فيقال في هذه اللهجة للشيء إذا كان قريبا من البرودة: “افطر”.
ويقال للماء: “فطرن ومان” بصيغة الجمع. واللفظ مأخوذ من اللغة العربية من فتر الماء: إذا سكنت حدة حرارته غير أنه حرف في اللهجة الشلحية فنطقوه وكتبوه بحرف الطاء، وأورد صاحب التشوف في سياق كرامات أبي عبد الله أمغار كلاما جاء فيه: فقال أبو عبد الله هذه العين هي عين فطر ورثتها عن أبي عن جدي وأرجو أن تورث عني، وبهذه العبن سميت قريتنا(12) وهذه العين التي يشير إليها صاحب التشوف وابن عبد العظيم هي بداخل البحر في جزيرة كان أبو عبد الله ومن رافقه يقطعون البحر إليها من غير أن يبتلوا بالماء والله أعلم.
قال ابن عبد العظيم: كان هذا المكان قبل نزول إسماعيل أمغار به غاية واحراجا تسكنها الوحوش، فلما حل به وانتشر خبر فضله قصده أهل بلد صنهاجة واحتفوا به وحملوه معهم إلى بيوتهم فزوجه شيخهم عبد العزيز بن بطانة بنته وكانت امرأة صالحة فأنجبت له أبا جعفر إسحاق فنشأ على سيرة أبيه في الدين والعلم والصلاح فلما توفي قام مقامه فاعتنى بتوسيع مقامهم وعمارته فاقتلع الأشجار واستخرج عينا صغيرة وبنى دارا وبنى بإزائها مسجدا وحفر بقربه بيرا فانحاش إليه الناس وعمروا معه ذلك المكان(13).
أبو عبد الله محمد بن أبي جعفر إسحاق بن إسماعيل أمغار.
هذا هو الاسم اللامع الذي طار صيته في الأفاق وأشارت إليه الأصابع بالخير، ونطقت به الألسن بفضله وورعه، وسجلت أقلام العلماء العارفين مراحل حياته التي أمضاها في العلم والتربية والجهاد والخلوة، وشهد الخواص له ولأولاده بمرتبة البدلية فأطلقوا عليه اسم: “أبي البدلاء”
ابتداء أمره: كان أبو عبد الله قد ترب في أحضان والده فورث عنه العلم والصلاح وبعد وفاة والده أخذ أمره يظهر، وشرع في نشر العلم والدين وتلقين مبادئ السلوك وتربية النفوس فكان عنده طلبة ومريدون فكان في وقته رئيس الطائفة الصنهاجية(14). وقد ذكر ابن قنفد أنه حضر في مواطن عدة في مجامع الطوائف التي وجدها بالمغرب أيام توليته القضاء بدكالة فذكر من بين هذه الطوائف الطائفة الصنهاجية. وقد ركن أبو عبد الله أمغار تربيته على إتباع السنة وملازمة العيش الحلال والمجاهدة. فقد قال ولده أبو عبد الخالق لإخوته: أتدرون بما زاد والدكم على صلحاء المغرب؟ قالوا لا، فقال ما فاتهم بكثرة الصلاة ولا بكثرة الصيام، وإنما فاتهم بإتباع سنة جده رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان إذا صلى العتمة لم يتحدث إلى أحد، للنهي الوارد في ذلك، فكان إذا لم يجد طعاما نام ولم يكلم أحدا(15). وحكى عنه بعض طلبته أنه كان يقرأ عنده القرآن وإعرابه مع الموطأ والمدونة، قال فدعاني يوما إلى داره فناولني طبقا من قمح فطلبت من بعض النساء الصالحات أن تعد لي منه قرصا في كل يوم، فكنت أصوم وأفطر على ذلك القرص مدة شهرين وأشرب من ماء البحر فأجد له لذة حتى إذا انقضى ذلك الدقيق فقدت لذة ماء البحر فكنت أجده ملحا أجاجا، فعلمني الله أن ذلك من أكل الحلال(16).
كراماته: اعتقد الناس أبا عبد الله اعتقادا كبيرا ورأوا له فضلا عظيما، وسجلوا له الكرامات لا تدخل تحت الحصر وهي لا تخلو من المغالاة في بعضها لأن الأحفاد الأغرار والعوام الجهلة والقناصة المسترزقين من عادتهم الزيادة في الأخبار وحشوها بعناصر كاذبة تستجلب النفوس وتخدر الأرواح ولكن الرجل مع هذا كله كان من أهل المقامات العليا. فقد تواتر عن هذا الصالح أنه كان مجاب الدعوة يستشفى به من الأمراض ويستنصف به من الظلمة ويستجح به في المهمات ويستنجد به في الحروب والملمات ويستشار في المعضلات. نقل ابن العظيم عن صاحب أنس العارفين أن أمير المسلمين علي بن يوسف كان لا يأخذ في عمل مهم حتى يستشير أهل الفضل والدين. فلما عزم على إتمام بناء صور مراكش بعد شروع والده فيه سنة خمس وسبعين وأربعمائة أشار عليه بعض الناس بأن البناء سيأتي على ما في بيت مال المسلمين من المال. ثم لا ينقضي، فاستقدم لهذا الغرض الوليد ابن رشد من قرطبة فأقره على عزمه في الشروع في البناء مصرحا له بعدم الفائدة في السكنى بالمدينة من غير صور، فتردد الأمير في التنفيذ فأشار عليه ابن رشد بالكتابة لأبي عبد الله أمغار يستأذنه في البناء ويسأل منه الدعاء بالتوفيق، ويطلب منه أن يبعث له بمساهمة رمزية من ماله الحلال الخالص، فبعثه له وأوصاه أن يجعله في صندوق الإنفاق على البناء، ويتولى ذلك رجل من أهل الفضل، فعمل بوصيته فأعانه الله على إتمامه(17).
وفاته: لم تذكر المراجع القليلة التي بين أيدينا سنة وفاة هذا المصلح الكبير ولكنها اتفقت على أنه ترك سبعة أولاد بلغوا كلهم مرتبة البدلية فأطلقوا على أبيهم “أبو البدلاء” وهم كما ذكر: أبو سعيد عبد الخالق، أبو يعقوب يوسف، أبو محمد عبد السلام العابد، أبو الحسن عبد الحي، أبو محمد عبد النور، أبو محمد عبد الله، أبو عمر ميمون. من هوءلاء الرجال يتكون البيت الأمغاري الذي قال فيه ابن قنفد “وهذا البيت أكبر بيت في المغرب في الصلاح لأنهم يتوارثون كما يتوارث الناس المال. قال وقد رأيت بلدتهم ورأيت أبناء بني أمغار نفع الله بهم وبأسلافهم. وقد نفع الله بهم بأسلافهم(18)، فقد انتشروا في المغرب ونزل أحفادهم بمراكش وضواحيها وآسفي وفاس وغيرها. ومن أحفادهم البارزين أبو عبد الله سيدي امحمد بن سليمان الجزولي صاحب دلائل الخيرات وهو من أهل القرن التاسع مدفون مع أجداده بعين فطر، ذكره غير واحد من أصحاب المناقب والتراجم، وهو جدير بترجمة ضافية تخصص له أن شاء الله تعالى ومن أحفاد هذه الأسرة البارزين أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشريف المدفون خارج باب فتوح بفاس، ترجم له صاحب اللوة وذكر أنه كان من أصحاب الشيخ القطب أبي العباس أحمد بن يوسف الراشدي الملياني أحد كبار أصحاب الشيخ زروق رضي الله عنهم(19) وقد أحاط الملوك والأمراء والولاة في كل عصر أهل هذا البيت بالرعاية ووصولهم بالعطايا السخية والهدايا السنية وأجروا لهم الجرايات اللائقة الثابتة، وتركوا لهم النظر في الشؤون الدينية. ونسوق فقرات من وثيقة عدلية طويلة يرجع تاريخها إلى سنة 696 خاطب عليها عدد من قضاة عصرها والذين جاؤوا من بعدهم إلى حدود النصف الاول من القرن التاسع، هذه الوثيقة أوردها ابن عبد العظيم الزموري في بهجته(20) فمما ورد فيها :”لم بزل الملوك … يرعون جانبهم بالاحترام الجميل ويفتتحون بصالح دعائهم مغالق الأمور العظام. ويستنجحون بهم عند الخلافة ويخصونهم ممن سواهم في رباط عينهم المذكورة بالخطط الشريفة الدينية التي هي القضاء والعدل والخطبة والإمامة … يأخذون في كل عام من مال المخزن المستفاد جمعه من مال صنهاجة على الوجه المرضي شرعا مرتبهم الذي هو مائة دينار من الذهب العين المنعم به عليهم من الجانب المولوي اليوسفي العبد الحقي. وإن جميع من يرد رباط سلفهم المذكور من عمال صنهاجة وجباة خراجها يدفع لهم ذلك ويجزيهم على عوائدهم في الفحص(21) وفي خارج رباطهم المذكور وداخله. وفي عهد أمير المؤمنين جلالة الملك الحسن الثاني سليل الدولة العلوية وباني نهضة الأمة المغربية ومجدد عمرانها أخذت حركة العمران تنتشر في هذه القرية في الآونة الأخيرة بفضل أهل هذا البيت المبارك حيث يقصدها الناس من جميع جهات المملكة بقصد التبرك بهم. وموسم جدهم السنوي يعتبر في السنوات الأخيرة من العوامل الكبيرة التي تجلب الناس لتعمير هذه القرية، ولا يستبعد أن يكون لها شأن أكبر في المستقبل القريب بسبب الازدهار الفلاحي والصناعي وتزايد النشاط التجاري والسياحي بمدينة الجديدة المجاورة لهذه القرية والمراكز التابعة لها في دكالة.
1- السلوة ج2-218.
2 -بهجة الناظرين ص8 لمحمد بن عبد العظيم الزموري مخطوطة الخزانة العامة رقم 1343.
3 – التشوف إلى رجال التصوف لإبن الزيات ص192.
4 – بهجة الناظرين ص8.
5 -السلوة ج2-ص218.
6 – بهجة الناظرين ص63-64.
7 – بهجة الناظرين ص63.
8 – أسفي وما إليه ص 44. لمحمد الكانوني طبع مصر.
9 – الترجمانة الكبرى ص 78. لأبي القاسم الزياني نشر وزارة الأنباء.
10 – أنس الفقير وعز الحقير ص71 لأبي العبا س أحمد الشهير بابن قنفد القسمطيني منشورات المركز الجامعي للبحث العلمي.
11 – بهجة الناظرين ص65.
12 – التشوف ص192.
13 – بهجة الناظرين ص66-70.
14 – انس الفقير ص 64-71.
15 – التشوف ص 191.
16 – بهجة الناظرين ص 119.
17 – بهجة الناظرين ص 29-30
18 – أنس الفقير ص22..
19 – السلوة ج2ص219.
20 – بهجة الناظرين ص 4-20
21 – موضع مشهور قرب عين الفطر مأهول بالسكان إلى الآن.
المصادر المشار إليها في الأرقام أعلاه هي:
سلوة الانفاس ومحادثة الأكياس بمن أخبر بمدينة فاس لمحمد بن جعفر الكتاني، بهجة الناظرين لمحمد بن عبد العظيم الزموري مخطوطة الخزانة العامة رقم 1/1343، التشوف إلى رجال التصوف لابن الزيات التادلي: مطبوعات معهد الأبحاث العليا المغربية.
آسفي وما إليه: لمحمد الكانوني طبع مصر.
الترجمانة الكبرى لابي القاسم الزياني: نشر وزارة الأنباء
أنس الفقير وعز الحقير لأبي العباس أحمد الشهير بابن قنفد القسمطيني، منشورات المركز الجامعي للبحث العلمي.