التوزاني يحاضر حول الدور الوحدوي والجهادي للشيخ ماء العينين في الصحراء المغربية
أنفاس بريس 24: متابعة – عبد العزيز اغراز
شارك الدكتور خالد التوزاني، رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي “مساق”، في الندوة الفكرية التي نظمتها المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير نيابة جهة فاس–مكناس، بشراكة مع جامعة القرويين، يوم الثلاثاء 11 ماي 2021 على الساعة الثانية بعد الزوال، وقدم مداخلة تحت عنوان “دور العلماء المغاربة في الكفاح الوطني: الشيخ ماء العينين أنموذجاً”.
ركز الدكتور التوزاني في محاضرته على دور علماء الصحراء المغربية في الكفاح الوطني من خلال جهود الشيخ ماء العينين، موضحا كيف استطاع هذا العالمُ المتصوف والشيخ المربي أن يدافع عن وحدة المملكة المغربية ليس باللسان فقط ولكن بالسلاح أيضاً.
وأبرز دور العلماء المغاربة عموماً في مقاومة الاستعمار، وفي صيانة ثوابت الأمة المغربية ونصرة قضايا الوطن، مضيفا انهم سخروا فكرهم لنشر الوعي وثقافة التنوير والثبات على الحق في عدم الخضوع للمحتل وفي ضرورة الكفاح الوطني، على امتداد التاريخ المغربي الطويل، ونبه الى ان موقع المغرب الجغرافي المتميز كان دائماً محط أنظار العالم وأطماع القوى الأجنبية، ولذلك كان الكفاح الوطني جزءاً من رسالة العلماء المغاربة.
واستحضر الاستاذ المحاضر في هذا السياق كتاب “شعر الجهاد في الأدب المغربي”، الذي كان ثمرة لأطروحة جامعية لنيل الدكتوراه، أنجزها مؤرخ المملكة المغربية الدكتور عبد الحق المريني، أكد فيها “أن أهم ما طبع الحياة العلمية والأدبية في إنتاج المغاربة للمعرفة عموماً، يبرز ملمحان هما الواقعية والالتزام، فلم يكن العالم المغربي يعيش بمعزل عن مجتمعه وقضايا وطنه، ولم تكن اهتماماته الفكرية والإبداعية بعيدة عن مجريات الواقع الذي يعيشه محليا ووطنيا وكذلك عربيا ودوليا، بل كان يمثل صدى هذا الواقع؛ يتفاعل معه بالكتابة والتأليف ملتزما بقضايا الإنسانية والوطن”.
وأورد رئيس مركز مساق ما ذكره العلامة المختار السوسي في مؤلفه “المعسول” عن الشيخ ماء العينين وأسرته “أن الأسرة المعينية أسرةً علميةً لا يطاولها في هذا المجد العلمي في كل شمال إفريقية إلا السنوسية في برقة (ليبيا)”، كما ذكر ما قال عنه المجاهد علال الفاسي في كتابه “الحركات الاستقلالية في المغرب”، “كان عالما أديبا وشيخا مربيا”.
وقدم التوزاني نبذة عن سيرة الشيخ ماء العينين، مشيرا الى انه ولد في الحوض الشرقي من بلاد شنقيط 1246هـ الموافق 1831 م، واضاف ان “الشيخ نشأ في بيت علم وتقوى ينهل من علم والده الشيخ محمد فاضل، فحفظ القرآن وهو ابن عشر سنين ثم أعاد حفظه بالروايات السبع، وحفظ المتون الفقهية كمختصر الخليل وجَدَّ في تلقي معظم العلوم الدينية وصنوف الأدب مما مكنه من التدريس في مدرسة والده مدة من الزمن”.
وتابع الاكاديمي التوزاني ان الشيخ ماء العينين كان مدافعا عن القضايا الوطنية وزعيما سياسيا إلى جانب كونه شيخاً صوفيا وفقيها، موضحا ان اسم ماء العينين كان مرتبطا “بدعوته للجهاد وبإقامته لروابط متينة مع ملوك وسلاطين الدولة العلوية، حيث بدأت علاقته بالملوك العلويين سنة 1858م، عندما استقبله السلطان عبد الرحمان في مدينة مكناس، ثم توطدت بابنه السلطان محمد الرابع ثم بلغت هذه العلاقة قوتها في عهد السلطان مولاي الحسن الأول وفي عهد ابنيه مولاي عبد العزيز ومولاي عبد الحفيظ”.
واضاف ان سلاطين المغرب “اعتبروا الشيخ ماء العينين أكبر عالم جامع لشروط الاجتهاد وفقيهٍ عرفته الصحراء المغربية، متعاملين معه كمرشد روحي وداعية لوحدة البلاد، يعودون إليه في أمور مستعصية إما دينيا أو دنيويا مما يدل على مكانته العلمية العالية وغيرته على الثوابت الوطنية وكفاحه من أجل وحدة الوطن وعزته”.
وأوضح المحاضر ان الشيخ ماء العينين توفي سنة 1910م ودفن بمدينة تزنيت، مشيرا الى انه ترك إرثاً علمياً كبيراً، ما يناهز الألف كتاب ومخطوط ونظم في الأدب والشعر والنحو والتصوف وتفسير القرآن وأصول الفقه، موردا مقولة لابنه الشيخ مربيه ربه -أحد قادة المقاومة الوطنية في الجنوب المغربي – في كتابه “قرة العينين في كرامات الشيخ ماء العينين”، جاء فيها: “إن الشيخ ماء العينين ألف كثيرا من الكتب في ريعان شبابه، وأيام تنقلاته، مما يؤدي إلى ضياع الكثير منها في أحد الأحياء التي ألف فيها، أو يأخذه بعض المرافقين له في جولاته ويذهب به قبل أن يُنسخ، إلى جانب الدمار التي تعرضت له مدينة السمارة”.
وابرز المتدخل الدور الذي لعبه الشيخ ماء العينين في توحيد الطرق الصوفية، والقبائل الصحراوية لمواجهة القوات الأجنبية، موضحا مواقفه البطولية في نصرة وحدة البلاد وتجميع القبائل وراء ملك المغرب، واشار في هذا الاطار الى كتاب “الشيخ ماء العينين فكرٌ وجهاد”، الذي أصدره المجلس البلدي لمدينة تزنيت، وتنسيق أحد أحفاد هذا العالم، “النعمة علي ماء العينين”، وضم بين دفيته عروضاً علمية للندوة التي نظمها هذا المجلس عام 2000.
وذكر التوزاني ان “السلطان مولاي عبد الرحمن عين الشيخ ماء العينين نائباً عنه في الصحراء، ثم تتابع الملوك مولاي محمد ومولاي الحسن ومولاي عبد العزيز ومولاي عبد الحفيظ على تجديد هذه الثقة”، مضيفا ان السلطان مولاي عبد الحفيظ أمر الشيخ ماء العينين بالذهاب من السمارة إلى تزنيت، التي أصبحت آنذاك حاضرة الجهاد، مشيرا الى ان اقليم تزنيت احتضن عمليات الكفاح الوطني التي قادها أبناء الشيخ ماء العينين، والتحم فيها أبناء الصحراء وأبناء سوس لسنوات طويلة لم تنقطع خلالها المواجهات التي ظل فيها المجاهدون فيها يلجمون المد الاستعماري.
وختم الدكتور التوزاني محاضرته بالإشارة الى ان العطاء الوطني والجهاد اختلط بكنوز العلم والمعرفة، وتابع “كما اختلط معاً بتلك النفحات الدينية الصوفية في سيرة العلامة الشيخ ماء العينين، ويتواصل اليوم كفاح هذه الأسرة العلمية بالصحراء المغربية في جهاد التنمية والتحديث وراء أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين محمد السادس نصره الله وأيده”.