كرنولوجيا التأسيس للخطاب الديني بالمغرب في زمن كوفيد-19 :تحولات وفق سياقات.
أنفاس بريس 24: محمد أ كعبور ( مرشد ديني وباحث في الخطاب والإعلام الديني)
حظي الخطاب في السنوات الأخيرة باهتمام الدارسين والباحثين حيث تكونت مراكز بحث أكاديمية رسمية و مستقلة تُعنى بدراسته من حيث المرجعيات والأدوات والقنوات والتداول والفاعلين فيه والرسائل التي يحملها.
لقد أضحى الاهتمام به مثار النقاش العام فتجدنا نسمع اصطلاحات من قبيل :تحليل الخطاب ،وتداول الخطاب ،وتوظيف الخطاب.
والخطاب الديني كان له حظه من هذا الاهتمام البحثي الأكاديمي المنهجي حتى أصبحنا أمام ما يمكن أن نسميه ب : (بيداغوجيا الخطاب الديني) ، على ما يفيد مصطلح البيداغوجيا في مجال علوم التربية من : طرق تدريس المواد المعتبرة داخل كل نظام تعليمي جغرافي ،ويضيق المقام لبحث أكثر لنكون برفقه مفهوم (ديداكتيك الخطاب الديني) ؛ في ظل الحاجة الماسة إلى هذا النوع من الخطاب الذي يحاور الروح والعقل الواعي والباطن للإنسان والعاطفة والكيان .وليس ذلك أمرا خارجا عن المألوف ،مادامت المسألة تتعلق في مجملها بالسبل الكفيلة بالرقي به إلى مستوى الإلقاء الجيد من أجل حصول تلقي فعال يفضي إلى الاستجابة وهو الهدف الأسمى من كل ما يبذل من الجهود في هذا المضمار .
وفي بحثنا هذا سنهتم بهذا النوع من الخطاب –الخطاب الديني -في بيئتنا المغربية انطلاقا من هندسة الحقل الديني برؤية ملكية ومن ثم أمكننا الحديث عن (هندسة الخطاب الديني ) ؛ في جانبه الوظيفي والأدائي والإجرائي والتقني والبشري والمؤسستي ، وكذا مرجعيات وطرق اشتغاله راصدين بعض تجارب ونماذ ج إعلامية تفاعلية مع القضايا الدينية للمجتمع المغربي في إطار النقاش العمومي ، حول كورونا وفقا لمنهجية صارمة – كما عهدنا القارئ الكريم- خلقت لنفسها اصطلاحات ومعجما ميثاقا بينها وبين القارئ الذي سيتبين مدى جدة الموضوع وجديته وتشعبه وتداخله ، وهو إلينا مغامرة فكرية نابعة من قناعة قوية وإيمان راسخ بما نبثه من أفكار ونقط هادفة تطبعها الموضوعية والمصداقية خصوصا أننا فاعل ديني مدني مأذون له في التداول والانشغال والاشتغال بهذا الخطاب وإيصاله إلى فئة من الناس عبر القنوات والمواقع المعدة لذلك ، كما وأننا سنخضع البحث لترتيبي كرونولوجي ما أمكن لنا ذلك.
أولا : قبل فرض الحجر الصحي :
- إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للخطبة الدينية الوطنية يوم:13 مارس2019حول انتشار فيروس كورونا وما ينبغي للمواطن أخذه من الحيطة والحذر اتقاء النفس للتهلكة للذات وللغير.
- إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لبلاغ حول إلغاء جميع المواسم الدينية يوم الأربعاء 11 مارس 2020 ؛ اعتبارا للوباء الذي ظهر في عدد من البلدان.
- إصدار فتوى الإغلاق المؤقت للمساجد يوم:16 مارس2019 مع الإبقاء على رفع الأذان
المواكبة الإعلامية : جهود ونماذج
سنركز على ثلاث تجارب حسب ظهور كل تجربة على حدة وهي للسادة :
- ذ- لحسن سكنفل رئيس المجلس العلمي لعمالة الصخيرات تمارة : حفظ الحياة أساسيّ شرعاً والالتزام واجبٌ.
” إن إغلاق المساجد جاء بعد طلب الفتوى الذي قدمه أمير المؤمنين، بسبب الظروف التي يمر منها العالم في إطار الخطوات الاحترازية التي تقوم بها الدولة.
لا يأتي لمنع الناس من الصلاة، بل دفعا للضرر الناشئ عن التجمع حماية لصحة وأبدان المواطنين.
حماية والحفاظ على الأبدان مقدم على الحفاظ على الأديان.
الحفاظ على الحياة، من خلال الحفاظ على صحة الناس.
ليس معزولا، بل إن عددا من الدول الإسلامية أقرت هذا الإجراء، وجميع العلماء مع هذا الاتجاه لمنع التجمع في المساجد في مثل هذه الظروف، وبالتالي فيجب الالتزام بذلك.” .
أن القصد من القرار ومعنى الفتوى هو إغلاق المساجد لفترة محددة حتى انكشاف هذه الغمة، للحفاظ على الصحة والحياة، ليس لصحة الفرد لوحده إنما لصحة الأهل والجماعة “.
أولئك الأفراد وتلكم الجماعة هم من يواجهون اليوم التحدي ضد الوباء اللعين من خلال إصدار تعليمات وتوجيهات من المؤسسة الملكية ومؤسسة إمارة المؤمنين الساهرة على شؤون الرعية وعلى المساجد من أجل التشييد والعمارة وما يعقب ذلك من قرارات قطاعية لحكومة صاحب الجلالة نصره الله، وكذا التزام الجماعة بمضامين التشريعات الظرفية الطارئة كما التزامها بالسير الطبيعي لتشريعات موضوعاتية تمس تخليق الحياة العامة للساكنة ، وهو دلالة واضحة على المواطنة الحقة.
انخرط الخطاب الديني على هذه الشاكلة لشرح مقاصد الوثيقة المرجعية المؤسِّسة للخطاب الديني في زمن كرونا ، وهي المرجع الأساس للمجالس العلمية المحلية والمؤطرة لعملها وخدماتها الدينية والعلمية والاجتماعية ؛ فانشغلت بالفعل الديني والتأطيري والتأهيلي والتكويني ودروس الوعظ والإرشاد كما اشتغلت كخلية نحل لتقديم الخدمة الدينية اللائقة باللحظة الراهنة والمناسبات التي تتخللها .
- د. سعيد بيهي رئيس المجلس العلمي المحلي بعمالة الحي الحسني ينشر مقالا يتضمن التوجيه الشرعي للفعل الداعي برفع الأصوات بالذكر والدعاء عنوانه”نفثة مصدور بسبب التهييج للخروج من الحجر الصحي” ؛ والذي رصد فيها المخالفات الشرعية من الوجهة الدينية مؤصلا لها تأصيلا شرعيا بما تبث به النص والحجة وقام عليه الدليل واقفا على جوهر الإشكال الناتج عن الجهل بالدين من خلال الجمع بين الطاعة والمعصية ،وهذا يتنافى والمنطق العقلي والشرعي والديني ومثَّل لذلكم بإحدى المخالفات الدينية الكبرى في الفعل الهجين ب ” رفع الحناجر بالدعاء حال تلبسهم بمعصية الخروج المخالفين فيها للشريعة لا تُسْتَنْزَل به الرحمات؛ إذ هو مثل من يتقرب إلى الله بالصلاة في الأرض المغصوبة، ومن يترخص بطاعة قَصْرِ الصلاة في سفر المعصية كقطع طريق…، فلا ريب أن إخراج الناس ليختلطوا اختلاطا يُقْطَع بانتقال العدوى في أمثاله من المريض إلى الصحيح انتقالا هو سبب قتلهم؛ معصية عظيمة بل جريمة كبيرة، وعليه فكيف يكون نفس الخروج والاختلاط باعتبارهما معصية مُبيحَين للدعاء الذي هو طاعة؟!”
وهو من الكاتب تنبيه شرعي على مقاصد الفعل الفاسد والمردود ؛ بل والمرفوع حال التباس الأمر على الخاصة فما بالك بالعامة .
- د سعيد شبار رئيس المجلس العلمي المحلي لبني ملال ينشر بدوره مقالا بعنوان : “أنَّى يستجاب لدعاء تم بطريقة ممنوعة شرعا وقانونا” يسير في منحى الدكتور سعيد بيهي في التوجيه والتأصيل للفعل الذي تحفه مخالفات شرعيىة وقانونية معبرا عن شعور عاطفي بقوله : “آلمني كثيرا ما رأيت البارحة ليلا من خروج بعض المواطنين في تجمعات، بل مسيرات في دعاء وتكبير لله تعالى ليرفع عنا هذا البلاء. وأنا إذ أنطلق من حسن نية هؤلاء وصدقهم وحماسهم، أنبه كما فعل غيري، إلى أنهم ارتكبوا مخالفات، وجب تحذيرهم منها، أقل ما يقال فيها أنها تمنع الاستجابة لهذا الدعاء، وهي مخالفات للشرع والقانون معا”.
معقبا بأسئلة مؤصلة للفعل قبل ارتكابه إذ “كيف يستجيب لك الله تعالى وأنت تخالف أمره ونهيه؟؟ وأنت تتحدى ولو من غير قصد تحذيره لك؟؟ وأنت تخالف هدي وارشاد رسوله الكريم لك؟؟ وأنت تخرج عن إجماع الأمة بل والبشرية جمعاء؟؟
وقد قيل : العلماء يرون الفتنة إذا هي أقبلت والعامة تراها إذا هي أدبرت .
وهؤلاء العلماء وغيرهم بالوطن رأوا تلكم الفتنة ، وهي قادمة فتصدوا لها بالعلم والحلم ، فكان حليفهم النجاح واستهدى بتوجيههم خلق غفير.
هكذا ؛ يكون الخطاب الديني المستند إلى المرجعية الوثائقية الصادرة عن المؤسسة الرسمية الدينية والعلمية ببلادنا المواكب للحدث في بداياته الأولى ؛ قد التزم التوجيه والإرشاد بإرجاع الأمور إلى نصابها فاحتذى بالعمل الإعلامي هذا جمع كثير ممن اقتنعوا بخطورة الجرم في حق الوطن يوم الخروج عن الجماعة والجنوح لحظة وساعة؛ليسجل الخطاب الديني بهذه المحطة لحظة قوية كما عهدناه في تبيين كذب المفتري على الدين والشريعة ؛ والعلماء حماتها فيما مهمة العامة الاستجابة والامتثال.
ثانيا : خلال فترة الحجر الصحي:
عرفت هذه الفترة ؛ ظهور آراء شخصية للأفراد أو المحسوبين على مؤسسات مستقلة أو جمعيات ، وكذا عودة آراء حول الإتمام بالشاشة والمذياع على وسائل ومواقع التواصل والإيذاع.
فكان المغاربة ينتظرون بشوق صور بلاغ المجلس العلمي الأعلى في الموضوع ؛ حتى لا تلتبس عليهم الأمور ويشوش عليهم من سولت له نفسه أن يغرد خارج السرب دونما اعتبار لخصائص تدين المغاربة وفقههم العملي ، فكان المنجى وهو الملجأ والمنجى ، فاهتدى الجميع بما صدر وأزيل اللبس وتم رسم خطة الأداء الديني الرمضاني بما يضمن الوحدة الدينية والمذهبية والسلوكية للمغاربة في إطار الإمامة العظمى الراعية لشؤون الدين بالبلاد وفق تقاليد وأدبيات العمل الديني بالمغرب.
- بيان المجلس العلمي الأعلى بخصوص رمضان يوم : 21 أبريل 2020 ؛ وهو البيان الذي أصل العمل الديني في رمضان ووجه المغاربة التوجيه الديني الصحيح.
- رأي المجلس العلمي الأعلى في مقدار زكاة الفطر1441ه موافق 18 ماي 2020 ؛ وهو مشروع يروم منذ العمل على إخراجه توحيد المقدار والقيمة بناء على فتوى المجلس العلمي الأعلى في الموضوع ، كان قد أصدرها جوابا عن سؤال ورد على الهيأة العلمية المكلفة بالإفتاء من الكتابة العامة للمجلس العلمي الأعلى بتاريخ 21 رمضان 1431هـ موافق فاتح شتنبر 2010م صدرت عن الهيأة العلمية المكلفة بالإفتاء لدى المجلس العلمي الأعلى فتوى في مسألة إخراج زكاة الفطر بالقيمة نقدا وهي المرجع في كل عام مع مراعاة ثمن الكيلوغرام من كل صنف تخرج منه في المذهب المالكي والعرف والعمل الديني المغربي .
- بيان المجلس العلمي الأعلى: إقامة صلاة العيد في المنازل والبيوت على الكيفية المشروعة رعيا للظروف الاستثنائية الحالية يوم :20 ماي 2020
وقد تفاعل بقوة وبحضور إعلام وازن د. محمد مشان ؛ رئيس المجلس العلمي المحلي للفداء مرس السلطان مع الحدث عبر وسائل الإعلام الوطنية ليتحمل شرح وبسط مضامين البلاغ ، بلغة سهلة يبلغ أثرُها عريضة واسعة تنقل الحدث للغائب .
- إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لبلاغ تكذيبي يوم الخميس 28 ماي 2020 ؛ حول مزاعم إعادة فتح المساجد .
ثالثا : بعد تخفيف ورفع الحجر الصحي:
وهي الفترة التي تفاعل فيها المجلس مع قرار الدولة بتخفيف الحجر الصحي المنزلي أو رفعه من خلال التقسيم الصادر عن السلطات : ويهم منطقة 1 ومنطقة 2؛وفقا لهذا الترتيب :
- إصدار المجلس العلمي الأعلى يوم الأربعاء 10 يونيو 2020 ؛ بيانا حول إعادة فتح المساجد.
- إصدار الوزارة يوم الثلاثاء 07 يوليو 2020 بلاغا حول إعادة فتح المساجد تدريجيا.
- إصدار الوزارة يوم الثلاثاء 13 أكتوير 2020 بلاغا حول الرفع من عدد المساجد المفتوحة إلى عشرة آلاف مسجد مع إقامة صلاة الجمعة في هذه المساجد بالإضافة إلى الصلوات الخمس.
- إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للخطبة الدينية الوطنية يوم: الجمعة 16 أكتوبر 2020 ؛ وقد كان موضوعها عمارة المساجد وشوق المغاربة وتشوقهم للعودة للصلاة بها .
هنا ؛ نذكر لزوما تفاعل المجالس العلمية المحلية في الإيصال لمضامين هذه الوثائق المرجعية وربط الوصال العلمي مع الساكنة بمختلف نقاط حضورها وفق الترتيب الكرونولوجي لصدورها منذ صدرت فتوى الإغلاق المؤقت للمساجد إلى اليوم.
رابعا : خلال الربيع النبوي
إصدار لمجلس العلمي الأعلى يوم الثلاثاء 27 أكتوير 2020 ؛ بلاغا حول المس بحرمات الرسل الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام.
وقد تزامن صدور هذا البلاغ التاريخي مع دخول الربيع النبوي مع ما يعرفه هذا الشهر الكريم من عناية المغاربة بالسيرة النبوية العطرة بجميع دورالعبادة من مساجد ومدارس عتيقة ومعاهد دينية وزوايا صوفية .
لقد سرت المجالس العلمية المحلية في اتجاه العناية بالسيرة النبوية من خلال بث أمسيات المدح النبوي أو دروس الوعظ والإرشاد عن مكانة السيرة النبوية ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم ، إلى جانب أنشتطها العلمية المعتادة في إطار التبليغ الإليكتروني في غالب التدخلات العلمية للمؤسسات العلمية المحلية المناسبة للظرفية أو بجزء لا باس به من التدخلات الحضورية ضمن التحسيس بخطورة الوباء والالتزام ببروتوكول العمل الديني وكذا الصحي والتعليمي .