إشكالية الممارسة القضائية في ظل التشريع الجمركي.
أنفاس بريس 24: بقلم نهاد أفقير ☆
إن المقاربة الجديدة للسياسة الجنائية الجمركية في مواجهتها للجرائم وتحقيقها التوازن المطلوب بين طرفي الجريمة لم تعد تعتمد على الأداة الجنائية كجواب أوحل قانوني، وإنما أصبحت ترى في بعض الآليات جوابا مناسبا وفعالا لها وذلك بإفساح المجال لبعض الإدارات كإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة ومحاولة الإستغناء عن اللجوء للقضاء في إطار تحقيق عدالة تصالحية، إلا أنه تحت غطاء التعاون بين القضاء والإدارة، أصبحنا نجد في الواقع انفراد الإدارة في تطبيق القاعدة القانونية بدل السلطة القضائية فعلى الرغم من أن ممارسة التجريم والعقاب تعترضها صعوبات وهاجس تحقيق التوازن بين حقوق الدولة والأفراد، إلا أن هذه الممارسة في الشق الجمركي لها خصوصية تنفرد عن القواعد العامة للتشريع الجنائي، من خلال استعانة المشرع الجمركي بتقنيات تجريم خاصة كالتفويض التشريعي أي للإدارة الحق في التدخل في كثير من الأحيان لمبررات مالية تهم خزينة الدولة ولو على حساب الضرب بمجموعة من المبادئ أهمها مبدأ فصل السلط وبالتحديد فصل السلطة القضائية عن سلطة إدارة الجمارك في القضايا والملفات الجمركية ذات الطبيعة الزجرية. وعليه، يكتسي مبدأ الشرعية الجنائية في إطار مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة صبغة خاصة تتجلى من خلال مرونة المفاهيم والصيغ المستعملة في المقتضيات الجمركية، وهذا فيه ضرب للقواعد العامة الأمر الذي ينتج عنه يقينا المس بحقوق الأفراد وبالسلطة القضائية. ومن تم يمكن القول بأن المرحلة القضائية للنزاع الزجري الجمركي هي مرحلة يغلب عليها الطابع الشكلي، حيث أن الصلاحيات التي يتمتع بها أعوان إدارة الجمارك في مجال التحري والحجز والمعاينة واعتقال الأضناء وغير ذلك من الإمتيازات تسمح لإدارة الجمارك بمعرفة مصير المتابعة القضائية مسبقا.
كما أبانت التجربة القضائية في المجال الجمركي العديد من الصعوبات العملية، فمنها من يتعلق بعلاقة القضاء بإدارة الجمارك وما يتعرض له القاضي الزجري من قيود عند ممارسته لسلطته التقديرية، هذا بالإضافة الى الصعوبات المتعلقة بالقواعد الجمركية في ما يخص المفاهيم التقنية واعتماد المصطلحات الفضفاضة من طرف المشرع الجمركي، كما لم يعط للقضاء صلاحية مراقبة المصالحة الجمركية خاصة أنه يمكن إبرامها سواء قبل أو بعد صدور الحكم النهائي مما يؤدي الى إضعاف دور القاضي الزجري في تطبيق مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة، بالإضافة لذلك يؤدي تخويل إدارة الجمارك سلطة تقدير مدى ملائمة إبرام المصالحة من عدمها، وتحديد مبلغ الجزاء التصالحي تبعا لسلطتها التقديرية إلى خرق مبدأ أساسي من المبادئ العامة للتشريع الجنائي، ألا وهو مبدأ استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية المنصوص عليها دستوريا، بحيث يجعل الإدارة تحل محل القضاء في فرض العقاب، وتكييفه وفقا لظروف المخالف، إذ تحت غطاء التعاون بين القضاء و الإدارة أصبحنا نجد في الواقع انفراد الإدارة في المجال الذي يقبل فيه القانون ذلك، بعملية تطبيق القاعدة الجنائية بدل السلطة القضائية. مما يحتم في نظرنا ضرورة إلغاء كل عقد مصالحة تم إبرامه بعد حكم قضائي نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به، تحقيقا لمبدأ استقلال القضاء.
☆ باحثة بسلك الدكتوراه -قانون خاص-