كناوة: عالم من الطقوس والدلالات الغيبية
أنفاس بريس 24: الباحث : عمــران عبد العالي
معدات موسيقية بسيطة وتقليدية تستعملها فرقة كناوة الفولكلورية؛ القراقب، الكنبري (الهجهوج) و الطبل…، ولباس غريب ظل صامدا أمام متغيرات الزمن، يحاكي قصة عبيد تم جلبهم من افريقيا جنوب الصحراء في عهد المولى اسماعيل، فكانت هذه الفرقة آنذاك تجتمع ليلا لتغني وتدندن معاناتها وفراقها عن أهلها تحت ظلمة الليل الحالكة، مع رزات الشاي التي كانت تعطي لليلة الكناوية ذاك البريق وتلك الأهازيج المخيفة، فلا يسمع في صمت الليل المخيف الا قراقب و هجهوج كناوة، كأنك في أجواء الحضرة والجذب.
طور أولئك «العبيد» طريقتهم الكناوية لتصبح فرقة ذات شعبية واسعة، بل تجاوزت ذلك بكثير بأن أصبحت طريقة صوفية لها قواعد ولها مريدون وزوار يتوافدون بالمئات على ضريح سيدي بلال، رائد هذه الطريقة الصوفية. فلم نعد نتحدث عن فرقة موسيقية تعتد بأهازيجها فقط، بل اننا هنا بصدد نوع من السفر الطقوسي يتجاوز حدود الجسد نحو ما هو » روحـــــــي »، كما يتجــــــــــــــــاوز لحظة »الحضــــــــور العيني» نحو «استحضار اللامرئي كأرواح السلف وملـــــــــوك الجــــــــن».
وفي هذا الصدد درجت الطائفة الكناوية على ممارسة طقوس استـشــفائية خاصة فيما يتعلق بالمس والسحر، ولابد من الوقوف على نموذج من هذه الممارسات في شخص ما يعرف لدى هذه الطائفة ب» الليلة الكناوية » أو «ليلة الملوك»، حيث يتم استحضار ملوك الجن لأجل التفاوض معهم توسلا لتدخلهم بغرض المساعدة على العلاج أو لتصفية الحسابات، ومن أبرز ملوك هذه الطائفة نذكر ( سيدي شمهــــــروش، لالة مليكة، لالة ميــــــرة، سيدي حمو المعروف بالجزار أو الكزار، سيدي ميمون ، و لالة عيشة…).
في أجواء الحضرة والجذبة والأجذر بالقول المحلة التي تكون فيها الطائفة ومريدوها وزوارها، فمن الشروط التي يشترطها ملوك الجن هي اراقة الدم أو الذبيحة التي تكون عبارة عن حيوان أو انسان وهنا نستحضر «فئة الزوهريين سواء زوهري العين أو اليد» لارضاء أصحاب الكرنة؛ الذين يتلذذون بدم المجذوب الذي يضرب نفسه بآلات حادة نتيجة الجذب.