هؤلاء الذين كانوا إلى جانب الوطن لحظة العاصفة، لا ينساهم أبدا… ( 1- عامل النظافة )
انفاس بريس 24: بقلم عزيز الزروال
في هذا الركن المخصص لأبناء وطني، من الموظفين والعاملين والمأجورين والمياومين، ممن يكسبون رغيف خبزهم بعرق أطهر من ماء المطر. سنحاول تسليط الضوء على مهنة من المهن، والاقتراب منها ومن أصحابها، الذين عاشوا في الصفوف الأمامية خلال هذه الأزمة. وسنعنون هذه الفقرة ب ” واحد من الناس ” لأن هؤلاء يظلون في نهاية الأمر كائنات آدمية تحمل في دواخلها آمالا ورجاء وحزنا وانتظارات وطموحات، تبقى على رأسها أن يكشف الله تعالى عنا هذا البلاء.
وضيفنا لهذا الركن ولهذا الأسبوع :
واحد من الناس : عامل النظافة
كثر هؤلاء الذين ينتمون إلى الهامش، ويشتغلون في الخفاء ويمارسون حياتهم في الكواليس، قانعون راضون بقدرهم، يحمدون الله صباح مساء على نعمه، ويقبلون يدهم ظهر بطن، لأن القناعة شعارهم وعليها أسسوا حياتهم .
فئات من مختلف المجالات والقطاعات، كلها تجتمع لخدمة هذا الوطن الحبيب بسواعدها النبيلة. لهذا استحقت أن نتذكرها، ونقف على جهودها وأحلامها ومعاناتها.
فهم أبناء وطني وصناع الحياة فيه . فإلى جانب السياسي والمثقف والرياضي والمدرس والشرطي والطبيب. هناك حلاق وربة بيت وإسكافي وسائق…، فلا يمكن أن يستقيم التوازن المجتمعي في غياب أي منهم. فلكل منهم دوره ودائرة اشتغاله، لبناء صرح هذا الوطن الذي يجمعنا جميعا.
ولقد اخترنا في هذا الركن ولهذا الأسبوع، مهنة من أشرف المهن، وإن كان البعض يسخر منها ويتأفف من أصحابها، ولا يقيم لها وزنا، لكن صاحبها يفني يومه في جمع أزبال الحي، وقمامة ساكنته، لا يكل ولا يتعب يجر معوله ومكنسته، يطارد قطع الورق والبلاستيك هنا وهناك، محاولا جمعها في كيس أو عربة. وقد تعصف حبة رياح فتشتت وتبعثر ما جمع. إلا أنه لا يغضب ولا يلعن قدره !!
نعم إنه عامل النظافة، الذي يلقبه بعض الذين لم يعرفون معنى التضحية والحرمان، والذين ولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب، والذين لا ينزلون الناس منازلهم ب “الزبال “، وصف لا يليق ولا يسقط على إنسان، أمضى زهرة عمره في تنظيف المدينة والدوار والحي، مقابل أجر زهيد ، يضل اليوم كله واقفا متكئا على مكنسته، يطير بها من حي لحي.
دون أن ننسى المهمة الجديدة التي تكلف بها، وهي ملاحقة الفيروسات وتعقيم الشوارع والأسطح والبنايات، فلحظة انكمش الجميع داخل بيوتهم، مغلقين أبوابهم ونوافذهم في وجه عدو مجهري خفي. راح هو يطرق بابه ويطارده في كل شبر من جغرافية هذا الوطن الحببيب. وتذكر لحظة تنظيف يدك بالماء والصابون بمجرد أنك تناولت فاكهة حلوى، أن صاحبنا قد يفقد حياته ضمانا للقمة عيش مرة.
فهو حكمت عليه ظروفه ومعيشه، أن ينحني ليجمع فتاتك ونفاياتك، ويخلصك من شر هذا الوباء، فأبسط ما يمكن أن تقدمه له، أن تضع القمامة في مكانها، وتتبع التوجيهات الخاصة بجمع الكمامات والقفازات المستعملة، ووضعها بكيس بلاستيكي محكم الإغلاق، حتى تضمن عودته لأطفال يتتظرون رجوع أبيهم بكسرة خبز.
فهل يستحق عامل النظافة الشكر والثناء..؟؟؟
لا يختلف اثنان في ذلك، فمن جعل من مكنسته وسيلة لتطهير الأرض، وإزالة الأذى والقذى عنها، يستحق أكثر وأكثر.
فاسمحوا لنا أيها الرجال، إن رمينا ونحن نمر أمامكم بكيس أو جريدة…دون أن نقيم وزنا لشعوركم وإحساسكم، واعذرونا فكم كنا حمقى لدرجة أننا نسينا أن هناك، عمال يتألمون وهم يجمعون قاذوراتنا المكدسة هنا وهناك. ويخاطرون بأنفسهم في عز الأزمة لتبقى أنت بالبيت سالما مطمئنا.
وتذكروا دوما أن طروادة احترقت وسقطت لأنها فتحت قلاعها أمام حصان خشبي، ونحن قد نتبعها إن فتحنا أبوابنا لغير الضرورة وخرجنا للتجوال بالشارع.
أحبوا أنفسكم وأحبوا هذا الوطن، وامكثوا ببيوتكم إن فرج الله قريب…
عزيز الزروال