جائحة كورونا : تكسير للهيمنة الأمريكية وترسيخ للدولة الوطنية
انفاس بريس 24: بقلم عزالدين الزريويل.
في إمبراطورية الثروة ،التاريخ الملحمي للقوة الاقتصادية الأمريكية إعتبر جون ستيل جوردون أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعرف مع بزوغ فجر القرن الحادي والعشرين مايضارعها في العلاقات الدولية على مر العصور ،واستحضر بعض القوى العظمى التي عرفها التاريخ وذكر الاميراطورية الرومانية التي فتحت العالم المعروف انذاك بقوة السلاح واستمدت قوتها من جيوشها العظيمة ،فيما نجحت الإمبراطورية البريطانية قبل قرن في السيطرة على ربع مساحة العالم…لكن الشعوب التي خضعت لهذه القوى قاومت عملية الإستلاب الثقافي فواجهت عملية الرومنة وتشبتت بلغتها وثقافتها، ولم تنجح بريطانيا في فرض لغتها على الشعوب التي احتلتها..
ويذكر كذلك في نفس السياق أن الولايات المتحدة الأمريكية عارضت بكل قوة الهيمنة الامبريالية، ورغم أنها خرجت منتصرة وأكثر قوة من الحروب العالمية التي شاركت فيها فإنها لم تستعمر أي دولة …إلا أن نفوذها في العالم يفوق النفوذ البريطاني وبينما تبلغ مساحتها ستة في المائة من مساحة العالم و سكانها ستة في المائة من سكانه فإنها تنتج ما يعادل ثلاثين المائة من الناتج المحلي الإجمالي لدول العالم ومتفوقة في جميع المجالات الإقتصادية وتمتاز بدينامية وقدرة على الابتكار وكانت معهد كل منتجات التقدم التكنولوجي التي شهدها القرن العشرون تقريبا …كما أن الشبكة الدولية للأنترنيت التي تعتبر من أقوى وسائل الاتصالات المبتكرة حتى الان هي ابتكار أمريكي واللغة الإنجليزية أصبحت مستخدمة في أكثر من ثمانين في المائة من مواقع الإنترنيت.
فإذا كان إذا العالم يكتسب سريعاً طابعاً أمريكياً كما كان في وقت سابق بطابع روماني فإن ذلك لا يعود إلى قوتها العسكرية بالدرجة الأولى وإنما إلى رغبة هذه الشعوب في اكتساب ما تملكه الولايات المتحدة واستعدادها لتبني أساليبها في الإنتاج والاستهلاك…ولا يمكن تفسير ذلك إلاّ بالاساليب الجديدة في الغزو التي اعتمدها الامريكيون من خلال توجيه الرأي العام الداخلي نحو الاستهلاك عبر بناء قوة إعلامية مخيفة تخصص لها ميزانية ضخمة تفوق ميزانية بعض دول بالقارة الإفريقية، ومن جهة أخرى ترويض القوة الاستهلاكية عبر سياسة الاشهار القائمة على تغيير المفاهيم والقناعات القديمة ليصبح مثلا مشروب كولا مقاوماً للعطش…
وسعياً منها إلى السيطرة على شعوب العالم غزت الولايات المتحدة الأمريكية أسواقها بمنتوجتها التي مثلت رمز الإقتصاد الأمريكي ككوكاكولا ماكدونالدز…وتبنت نظام العولمة الساعي لالغاء الحواجز الجمركية وتحقيق الهيمنة الاقتصادية والتنميط الثقافي ولم يتأتى لها ذلك إلاّ بإعتماد شبكة الانترنيت والعالم الافتراصي لتأسيس مفهوم القرية الكونية عبر غرف الدردشة والمواقع الاجتماعية ….التي تتحكم فيها الولايات المتحدة الأمريكية لتوجيه الشعوب نحو إستهلاك نموذجها الاستهلاكي وتصدير ديمقراطيتها بدعم ثورات وتغيير أنظمة عتيقة تقف في وجه مشروع العالم الجديد .
لايمكن للشعوب أن تقف في وجه هذا المشروع الشيطاني ما لم تمتلك مؤسسات حقيقية تضطلع بمهام المقاومة الذاتية كالأسرة والمدرسة والإعلام….وتستثمر في تاريخها وثراتها وتثمنه قصد تطويره ،واكسابه أليات المقاومة والمواجهة ،حتى يتسنى له الصمود في وجه الأساليب الجديدة المعتمدة من طرف هذه القوى التواقة إلى الهيمنة الثقافية والحضارية وفرض سيطرتها ونمطها الحضاري على الشعوب المستضعفة واستلابها.
وإذا كان العالم اليوم يواجه جائحة كورنا التي أثبتت مدى أهمية الإرتداد إلى الجبهة الداخلية والإستثمار فيها،بخلق إنسجام بين مكوناتها قصد توحيد الجهود لمواجهة الجائحة والخروج بأقل الأضرار، وبطبيعة الحال لن يتأتى ذلك من دون تحقيق مصالحة داخلية شاملة وتوفير مناخ من الديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان وضمان الحريات العامة للجميع على قدم المساواة مع الإهتمام بالإقتصاد الوطني، ودعم الصناعة الوطنية وتشجيع البحث العلمي بالرفع من الميزانية المخصصة له والإهتمام بالتعليم عبر دعم مجانيته ودمقرطته بالقضاء على التفاوتات مابين المجالات وتحقيق تكافئ الفرص التي نص عليها الدستور المغربي. مع إعادة النظر في ورش إصلاح القطاع الصحي بتطوير البنيات التحتية وتوفير التجهيزات الطبية والتفكير في مركبات إستشفائية جهوية تضمن العدالة الصحية لجميع المغاربة .فإن ذلك يؤكد على أهمية تعزيز بناء الدولة الوطنية القائمة على فلسفة حقوق الإنسان والعدالة الإجتماعية .