فرَّقتهم الأسماء.. فجمعتهم المقاطعة!
- الغولي رشيد
- كاتب و باحت
مند أزيد من سِتُّون يومًا، والمقاطعة الشعبية لبعض المواد الاستهلاكية الأساسية، في الحياة اليومية للمواطن المغربي تتسع رقعتها، وينتشر صداها، تحت عناوين وقراءات وتحليلات مختلفة، إلاَّ أن العارف، المدقق يعرف جيدا بأنها مقاطعة لمُخلفات التقاء التجارة بالإدارة، والمال والأعمال بالسياسة.
علامات تجارية متحكمة ومُحتكِرة لحصة الأسد في السوق الوطنية فرقتها الأسماء، الألوان، المكونات، الأثمان، الأصل والفصل.. لكن جمعتها ووحدتها جهود المواطنين تحت راية واحدة وكلمة واحدة، تصول وتجول كل العالم، بلغات مختلفة، انطلقت شرارتها الأولى من العالم الأزرق، لتنتقل بعد ذلك إلى العالم الأحمر كالنار في الهشيم، زادت من حدتها كلمة أو إن صح التعبير، رسالة مقتطفة جدا، غير موفقة، وغير مقبولة، جملة وتفصيلا.
المَدَاوِيخْ لَمْ تكن كلمة عادية، ولا حتى رسالة عابرة، بَلْ كانت عاصفة، وزَلَّة لِسَان حَارِقَة، من وزير مسؤول عن قطاع حساس، داخل قبة البرلمان، وأمام نواب الأمة، إلى كافة المواطنين، شيبًا وشبابًا، نساءً ورجالاً، دون تَميِيز أو اعتبار، هذه العاصفة حملت معها لهيب المقاطعة من شباب مجتهد، متحمس، متطلع لمغرب أفضل، له علم ودراية بالأمور السياسية، يعاني التهميش، يحاول جاهدا تجاهل القمع الممنهج الممارس علية في كثير من مناحي الحياة اليومية، إلى عامة الشعب المغربي، لكن مع كل ما وقع، كان من الممكن تدارك الأمر بقليل من رد الاعتبار أو الاعتذار من طرف الوزير نفسه، أو حتى مِن الأمانة العامة للحزب الذي ينتمي إليه.
الصمت الرهيب للنقابات العمالية، وتهرب كثير مِن الأمناء العامين لأحزاب سياسية، مِن التصريح والإدلاء بموقفها السياسي من المقاطعة، مؤشر خطير على ضعفٍ كبيرٍ في تقيم الأزمات |
من أبجديات وأخلاقيات العمل السياسي، المعرفة الأساسية لقواعد السياسة، وسلوك السياسي الشريف، والتي هي في مجملها مبادئ توجيهية محددة، من ثمارها الأولى، بناء أحزاب سياسية تؤمن بالاختلاف والنقد البناء، والفكر الأخر، حتى وإن كان يتعارض مع اتجاهاتها السياسية أو الإيديولوجية، فَمعرفتها الدقيقة لهذه الأمور مجتمعة تجعلها قادرة على قبول الأخر واستيعابه، ومِن أبجديات العمل السياسي وأخلاقه، المعرفة العامة للقواعد التي تؤثر على أداء المجموعات البشرية، مما يتيح التحسن والرُّقِيْ في الاتصال، الذي يساهم بِدوره بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في الحِفاظ على التفاهم والتعاطف داخل هذه الأحزاب نفسها وخارجها.
بعد هذا الزخم الكبير من الأحداث المتسارعة، والخرجات الصِّبْيانيَّة لبعض المُنْتسِبِين للعمل السياسي، وبعض المسؤولين الإداريين، الجاهلين بقوانين الانضباط العلمي الذي يدرس إدارة نظام الاتصالات، التي يتم من خلالها تأسيس العلاقات والحفاظ على التكيف المتبادل والتكامل بين جميع الأطراف، بواسطة مجموعة من الأساليب والإجراءات، التي تسعى من خلالها دائما الجبهات المسؤولة، إلى التواصل مع الجمهور عبر نقل صورة إيجابية عن كيفية التعاطي الإيجابي من طرف مجالس إدارات الشركات المعنية بالمقاطعة مع رغبة المستهلك.
زادت مِن حِدَّة هذه المقاطعة، المُزايدات السياسية الفارغة، والتجاهل الملحوظ، خصوصا من طرف الحكومة خلال الأسابيع الأولى من انطلاق الحملة، ثم الغياب الرسمي للإعلام العمومي الممول من جيوب المغاربة، والذي يجب أن يكون حسب المنطق وحده صوت الشعب، مِمَّا جعل المتتبعين لهذه الحملة، يستخلصون دلالات كبيرة وعميقة، مفادها أن استمرار هذه المَلْحَمَة والتضامن الكبير الغير مشروط بين جميع مكونات المجتمع رغم اختلاف المناهج والإيديولوجيات والقناعات، في ضِلِّ هذه المُعَوِّقات، دليل قطعي ملموس على مستوى وَعْيْ فَردي وجماعي غير مسبوق، أصبح يَشُّق طريقه بكل حَزْم وثبات داخل أوساط المجتمع، كما أن المواطن المغربي أصبح قادر على التَّمْييز والقيادة والالتفاف، بالإضافة إلى التضامن الحضاري الغير مشروط، والالتزام ..
الصمت الرهيب للنقابات العمالية، وهيئات المجتمع المدني، وتهرب كثير مِن الأمناء العامين لأحزاب سياسية، مِن التصريح والإدلاء بموقفها السياسي من المقاطعة، مؤشر خطير على ضعفٍ كبيرٍ في تقيم الأزمات، وجهل تام بمنظومة العلاقات العامة، لاَ سِيَّماَ فيما يخص علم الاجتماع، الذي يدرس المجتمعات البشرية، والأنماط المنتظمة والمتكررة، التي تحدث في المجتمعات، كما أنه تهور واستخفاف مع سبق الإصرار والترصد بوعي المواطنين، كما أن إتهام المغاربة المقاطعين بالخيانة، وربط المواطنة باستهلاك منتوج شركة معينة، هو تعد صارخ على حقوق المستهلك، وضرب قوانين المنافسة الشريفة عرض الحائط، وركوب مفضوح على قيم الوطنية الحقة والمواطنة، وأسلوب هزيل عند تَحرِير الخِطاب وتَبْلِيغ الرسالة.